عودة الاحتلال الإسرائيلي- قبلة الحياة لحماس وحزب الله؟

المؤلف: محمد الساعد08.21.2025
عودة الاحتلال الإسرائيلي- قبلة الحياة لحماس وحزب الله؟

يعرب محمد إلهامي، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، عن ترحيبه بعودة إسرائيل لاحتلال سيناء، معتبراً أن هذا الاحتلال، على المدى البعيد، سيكون ذا فائدة عظيمة لهم. تصريحات إلهامي هذه تتنافى مع المنطق الإنساني السليم الذي يدعو إلى البناء على الأراضي المحررة والانطلاق نحو آفاق جديدة. إلا أن موقف التنظيمات الإسلامية وحلفائها الثوريين يتسم بالثبات على إبقاء الصراع مشتعلاً، حيث لا ينظرون إلى الرقع الجغرافية إلا من منظور مصلحي ضيق. فمحمود الزهار، القيادي البارز في حركة حماس، يصرح بأن فلسطين ليست سوى عودِ سواكٍ صغير في خضمّ المشروع الأممي الذي يسعون جاهدين لتحقيقه.

إن إلهامي لا يعبر عن مجرد استياء شخصي من المأزق السياسي والإنساني الذي وصلت إليه غزة، بل يعكس قناعات راسخة لدى التنظيمات الإسلامية، تلك القناعات التي ترى في إثارة الصدام مع القوى العظمى، أو تلك الأشد بأساً، مفتاحاً للتمكين ضد الشعوب، لا ضد المحتل. فها هو أسامة بن لادن والملا عمر يقدمان على هذا الفعل مع أمريكا، وكذلك فعل صدام حسين مع أمريكا مرتين، والقذافي مع فرنسا وأمريكا وحلف شمال الأطلسي..

لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل حققوا النصر المبتغى؟ وهل تحول هذا الصدام إلى دافع ومنطلق للانتصارات؟ الجواب بكل تأكيد هو النفي القاطع. فالعراق يعاني من خراب هائل، وليبيا أصبحت دولة ممزقة ومنقسمة، وأفغانستان تعيش على هامش التاريخ، أما لبنان فيراوح مكانه بلا أي تنمية أو أرصدة بنكية تذكر.

واليوم، يسعى حزب الله في لبنان من جهة، وتنظيم الإخوان العالمي وحلفاؤه من جهة أخرى موازية، إلى استحضار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي التي انسحبت منها إسرائيل ذات يوم.

إن هذه القوى تفضل عودة الاحتلال الإسرائيلي مرة أخرى على الانخراط الجاد في المسار السياسي، خاصة بعد الضربة القاصمة التي تلقوها إثر انهيار صرحهم الكبير، المتمثل في سقوط حماس والجهاد في غزة، وحزب الله في لبنان، ونظام بشار الأسد في سورية.

تلك القناعة التي يستمدونها من عقيدة "صدام الصائل"، تقضي بالعودة إلى نقطة الصفر والبدء من جديد بمقاومة الاحتلال، بدلاً من الاستسلام للهزيمة والاعتراف بالفشل الذريع لمشروع الممانعة الذي قادوه على مدار أربعة عقود. إنهم يرون أن استعادة مكانة الأحزاب والتنظيمات المنخرطة فيما يسمى محور المقاومة، لا تتحقق إلا من خلال إعادة تسويقها كقوى تسعى جاهدة لتحرير الأراضي المحتلة. إنها نظرية أشبه بإعادة تدوير النفايات، ولكن هذه المرة من خلال إعادة تدوير الصدام العسكري مع الاحتلال.

فحماس عاجزة تماماً عن تحقيق أي نصر حقيقي، على الرغم من كل المسكنات التي تطلقها بين الفينة والأخرى. فنظريتها التي روجت لها طوال السنوات الثلاث الماضية قد سقطت ولم تعد تقنع حتى أشد المخلصين لها.

إن حزب الله وحماس، وكل قوى تيار الممانعة، يواجهون خيارين في غاية الصعوبة: إما التخلي عن غزة والضاحية بكل ما تحملانه من رمزية، وهو ما يعني خروجهم من المشهد السياسي الأممي الذي كانوا يمثلون رأس الحربة فيه، وخاصة حماس، وإما الاستسلام للواقع السياسي الجديد، وهو ما يعني حتماً هزيمة المشروع الأممي الإسلامي الذي اعتمد عليهم في تسويق نفسه.

لذلك، يأتي استدعاء إسرائيل لإعادة احتلال غزة وجنوب لبنان كحل ثالث يلوح في الأفق؛

وهو في نهاية المطاف بمثابة "غسيل دم سياسي" لحماس وحزب الله من كل الآلام والمآسي التي تسببوا فيها. فها هي حركة تدعي أنها حركة مقاومة تدفع عدوها لاحتلال أرضها مرة أخرى، لكي تعود من نافذة مقاومته بعدما خرجت من باب رفاهية الحروب، في سابقة لم يشهدها التاريخ البشري من قبل!

وإذا ما تحقق ذلك، فإن الاحتلال سيكون بمثابة قبلة الحياة التي تبحث عنها حماس وحزب الله وسط ركام غزة والضاحية وجنوب لبنان. وحينها، يمكن إعادة ترويج "البروباغندا" القائمة على تخوين الآخرين وتعظيم مكانة الممانعين.

هل تتذكرون حزب الله وأدبياته التي روج بها لنفسه أمام الشارع العربي، بحجة احتلال إسرائيل لجنوب لبنان، والتي ظل يرددها على مدار ثلاثة عقود متتالية، إلى أن خرجت إسرائيل من تلقاء نفسها دون قتال يذكر.

إننا اليوم أمام نسخة طبق الأصل من سيناريو عام 1982، عندما اندفعت الدبابات الإسرائيلية إلى جنوب لبنان، ليستمر الاحتلال حتى العام 2000. فهل سنشهد قطاع غزة وقد ابتلعته الدبابات الإسرائيلية، ونرى مرة أخرى تمركز قوات إسرائيلية في مناطق جنوب الليطاني اللبنانية؟

نعم، ليس لدى الداعية الإخواني محمد إلهامي ولا لدى كل مرجعياته، ولا لدى كل الكادر السياسي للإخوان، بمن فيهم حماس، أي طريق للعودة إلى المشهد إلا بعودة الاحتلال الإسرائيلي وهدم الدول الوطنية. إنهم يرون أن إشعال الثورات من الداخل يتطلب بالضرورة صداماً مع محتل من الخارج.

ومع كل شبر يتم احتلاله، يتعاظم رصيد تنظيمات الإسلام السياسي والعسكري والمالي، وتعود المزايدات والاتهامات والتخوينات وتعبئة المجتمعات ضد حكوماتها. ولن يسأل أحد نفسه عن المتسبب الحقيقي في عودة الاحتلال إلى أراضٍ محررة أصلاً.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة